إعلان علوي

الحجيّة النسبيّة للطرق العلمية في مجال النسب - القانون الجزائري


الحجيّة النسبيّة للطرق العلمية

تتنوع الطرق العلمية المعتمدة في مجال إثبات النسب، فمنها ذات الحجية المطلقة كنظام ADN و نظام HLA  و منها ذات الحجيّة النسبيّة كفحص فصائل الدم و الذي لا يمكن أن يعطينا نتائج متطابقة إلا عندما يتعلق الأمر بنفي النسب و بالتالي فلا يرقى إلى دليل إثبات قطعي، لتشابه فصائل الدم عند الكثير من الناس و هو ما يجعله ظنّي الدلالة.

كذلك من جهة أخرى حتى بالنسبة للطرق العلمية القطعية كالبصمة الوراثية فيمكن إعتبارها عنصر من العناصر التي يعتمد عليها القاضي عند دراسته للملف، و تفتقر إلى صفة التأثير على القاضي، الذي يجد نفسه بين القطع و الشك في صحتها خلافا للطرق الشرعية الأخرى كالإقرار و الشهادة لطرحها أمام القاضي في الجلسة فيدخلان عليه اليقين و القطع من حيث أسانيدهما الشرعية، و هو الأمر الذي تفتقر إليه البصمة الوراثية لأن إجراء التحاليل البيولوجية دائما يكون في غياب القاضي أي خارج نطاق المحكمة، فما الذي يدري القاضي بما يحصل في المخبر العلمي من نقل و فرز للعينات، الأمر الذي يدخل الشك في ضمير القاضي، الذي تناط به مسؤولية رد الحقوق إلى أصحابها. و من الأسباب التي تقلل من قطعية دلالة التحاليل البيولوجية و لا تبعث فيها  الثقة  الكافية:

*الأخطاء البشرية: إن التحاليل الجينيّة (خصوصا البصمة الوراثية) تخضع لسيطرة الإنسان و بالتالي يقع فيها ما كان يفترض أن لا يقع، و من ذلك الأخطاء البشرية التي تنسب إلى القائمين عليها و ليس للبصمة الوراثية ذاتها، و قد جاء في مقدمة القرار السابع للمجمع الفقهي ما نصّه: "أن الخطأ في البصمة الوراثية ليس واردا من حيث هي، و إنما الخطأ في الجهد البشري أو عوامل التلوث أو نحو ذلك" و ترجع هذه الأخطاء إلى القصور في الجوانب العلمية و الفنيّية و الجوانب الإجرائية القانونية، و يقول الأطباء البيولوجيون أن طريقة إستخلاص الحامض النووي عملية دقيقة جدا تحتاج إلى سوائل طيّارة مثل الكلوروفورم و الإيثانول و يستخدم  له جهــاز

يسمى "إلكتروفوريسد" و يستخرج بعدة طرق مثل: طريقة (RELP)  لإستخراج عينة الـ  ADN من نسيج الجسم أو سوائله و تتجسّد أهمّ خطوات هذه الطريقة في الآتي:

-        تقطع العينة بواسطة أنزيم معين يمكنه قطع شريطي الـ ADN طوليا، فيفصل قواعد الأدينين A و الجوانين

G من ناحية و التايمين T و السيتوزين C من ناحية أخرى و يسمى هذا الأنزيم بالآلة الجينية أو المقص  الجينـي.

-        ترتب هذه المقاطع بإستخدام طريقة تسمى بالتفريغ الكهربائي.

-        تعرض المقاطع إلى فيلم الأشعة السينية x-ray film . و تطبع عليه فتظهر على شكل خطوط داكنة اللون

و متوازية و قد تستغرق هذه الطريقة من 8 إلى 10 أيام و رغم أنّ جزيء الـ ADN صغير إلى درجة فائقة (حتى أنه لو جمع كل الـ ADN الذي تحتوي عليه أجساد سكان الأرض لما زاد وزنه عن 36 ملجم) فإنّ البصمة الوراثية تعتبر كبيرة نسبيا و واضحة(1).

و هناك تقنية أخرى تعرف بتقنية التفاعل النووي المتسلسل أي تكبير الحمض النووي و تدعى طريقة PCR بحيث يستخرج الـ ADN و يضخّم إلى عدة ملايين من النماذج بواسطة أنزيم مكثف. و تبعات الخطأ بهذه الطريقة تكون أكثر إرتفاعا من تبعات الخطأ عد إستعمال تقنيّة (RELP)(2). و قد إشترط العلماء في كل هذه الطرق أن تكون العيّنات طازجة و نظيفة و أن لا تكون قد تعرضّت إلى إعتدءات بيئية. فكل هذه الخطوات العملية و التقنيّة لا علم للقاضي بها و لم يستوعب طريقة تحضيرها فهي محتاجة إلى جهد مكثّف من الخبراء حتى تخرج النتائج سليمة من الشوائب.

*الإستنساخ البشري: نظرا للتطور الكبير الدي عرفه علم الهندسة الوراثية،  فقد  أصبح من الممكن  إنتـاج

جنس بشري خارج الطريقة الطبيعية بواسطة تقنية الإستنساخ، فإن كان الأصل أنّ لكل إنسان ADN خاص به لا يتشابه مع غيره، و لكن ذلك يتنافى مع الإستنساخ الذي يؤدي إلى صناعة ألوف النسخ المتشابهة لها نفس الصفات الوراثية و نفس الـ ADN و هذا يناقض بالضرورة ما هو ثابت علميا و يؤثّر حتما على خصوصية كل كائن بشري. و بالتالي فإن عملية الإستنساخ البشري تقتل تقنية البصمة الوراثية في مهدها و تجعل القاضي أمـام تحديات جديدة للوصول إلى الحقيقة، لذلك لا بدّ من تظافر الجهود عالميا لمكافحة هذه الظاهــــرة.

هذه أهم الأسباب التي أوهنت من قيمة التحاليل البيولوجية و رغم ذلك تبقى البصمة الوراثية خصوصا قرينة قوية أقوى بكثير من تحليل فصائل الدم التي تنفي النسب فقط و لا يمكن الإعتماد عليها في إثباته.

و أخلص مما سبق إلى أنّ التحاليل الجينيّة تبقى قرينة ظنيّة تخضع لتقدير المحكمة و سلطتها في إستخلاص الوقائع و تقدير أدلة الدعوى المطروحة أمامها. و بهذا ينتصر لواء أهل القضاء على أهل الطب لأنهم -أي أهل القضاء– هم أهل الحق و الرشاد الذين أمرهم الله تعالى بقوله: "و إذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل"[ النساء الآية 58].





ليست هناك تعليقات