حق الزوجة المطلقة في النفقة و السكنى أثناء العدة
حق الزوجة المطلقة في النفقة و السكنى أثناء العدة
إن
النفقة تكليف مادي يجب على الزوج نحو زوجته بمستوى الكفاية ، حيث إن مناط
التكليف بها الزوجية مطلقـا سواء كانت نفقة زواج أو نفقـة عدة الطلاق ، فقد
اتفق الفقهاء في جميع المذاهب الإسلامية على وجوبها و إن اختلفوا في
معايير تحديدها ، ذلك أنه إذا كان الأصل في الفقه الإسلامي أن النفقة تقدر
بالاعتماد على الوضعية المالية للزوج انطلاقا من قوله تعالى : ) لينفق ذو
سعة من سعته ( ، فان الاختلاف يكمن في مدى مراعاة حال الزوجة كذلك (1) .
و
نظرا للطابع المعيشي لمشتملات نفقة الزوجة المطلقة ، و المتمثلة طبقـا
للمادة 189 من مدونة الأسرة الغذاء و الكسـوة و العلاج و ما يعتبر من
الضروريات (2) ، فقد أحاطها المشرع في هذه المـادة بالعديد من الضمانات
الأساسيـة ، تتعلق بالمعايير و العناصر الواجب مراعاتها من طرف المحكمة عند
تقريرها لها ، و هي التوسط ودخل الملزم بها ( الزوج ) و حال الزوجة و
مستوى الأسعار و الأعراف و التقاليد السائدة في الوسط الذي تفرض فيه ، و
ذلك تحقيقا للغاية من سنها و رعيا لمبدأ لا ضرر و لا ضرار .
فهذه
العناصر تستأنس بها المحكمة أثناء تقديرها لنفقة الزوجة المطلقة بناء على
ما خوله لها القانون من سلطة تقديرية في هذا الإطار ، و التي سبق للمجلس
الأعلى أن خولها لقضاة الموضوع كما جاء ف قراره الآتي : » أن المطلوبة في
النقض لما تركت أمر تحديد النفقة التي تطالب بها إلى المحكمة ، تكون قد
طبقت القانون خاصة فصل المدونة 119 الذي لا يتعارض مع الفصلين 3 و 32 من
ق.م.م ، و قضاة الموضوع لهم الصلاحية في تحديد قدر النفقة بعد أن تتوفر لهم
العناصر الدافعة إلى اعتبار الأسعار و عادات أهل البلد و أهل الطرفين ،
كما أنهم غير مجبرين بالأخذ بالقدر المطالب به ، إذ بوسعهم الحكم بأقل منه
أو أكثر « (3) .
بعد
هذه التوطئة ، يجدر بنا التأكيد على أنه رغم كون النفقة تعتبر من مستحقات
الزوجة المطلقة طبقا للمادة 84 من مدونة الأسرة ، فإنها تسقط عن كاهل الزوج
بمجرد الحكم بالتطليق للشقاق من طرف المحكمة ، لان هذا النوع من الطلاق
يقع بائنا حسب المادة 122 منها التي جاء فيها : » كل طلاق قضت به المحكمة
فهو بائـن ، إلا في حالتي التطليق للايلاء و عدم الإنفاق « ، لذلك فهي لا
تستحق أبه نفقة إلا إذا كانت حاملا لقوله تعالى : ) و إن كن أولات حمل
فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ( (2) و يقول بن جزي الفقيه المالكي الأندلسي
: » المطلقة إذا كانـت
رجعية
فلها النفقـة في العـدة ، وان كانت بائنة فليس لها نفقـة إلا إذا كانت
حامـلا « (1) ، و هذا ما أكدته المادة 196 من المدونـة الجديدة بنصهـا على
أن : » المطلقة طلاقا بائنا إذا كانت حاملا تستحق نفقتها إلى أن تضع حملها ،
و إذا لم تكن حاملا يستمر حقها في السكنى فقط إلى أن تنتهي عدتها « ،
بمعنى أن المطلقة غير الحامل في الطلاق البائن الذي يحكم به القضاء كما هو
الشأن بالنسبة للتطليق بسبب الشقاق ، يبقى من حقها فقط الاستمرار في السكنى
خلال فترة العدة ، ببقائها في بيت الزوجة أو للضرورة في مسكن ملائم لها و
للوضعية المادية للزوج يهيئ لها لهذه الغاية ، بحيث إذا تعذر ذلك حددت
المحكمة تكاليف السكن في مبلغ يودعه الزوج كذلك ضمن المستحقات بكتابة الضبط
، أما النفقة فإنها تسقط عن كاهله ، حيث جاء في الحكم القضائي الصادر عن
قسم قضاء الأسرة التابع للمحكمة الابتدائية بالحسيمة ما يلي : » ... و حيث
أن التطليق للشقاق هو طلاق بائن ، و حيث أن الزوجة غير الحامل في الطلاق
البائن يسقط حقها في النفقـة حسب مقتضيات المـادة 196 من مدونة الأسرة ،
الأمر الذي يتعين معه رفض طلبها بخصوص هذا الشق ... « (2) و يقول ابن رشد
الحفيد بخصوص سكنى المبتوتـة و نفقتهـا ما يلي : » ... و اختلفوا – أي
الفقهاء – في سكنى المبتوتة و نفقتها إذا لم تكن حاملا على ثلاثة أقوال :
أحدهما أن لها السكنى و النفقة و هو قول الكوفيين ، و القول الثاني أنه لا
سكنى لها و لا نفقة و هو قول أحمد و داود و أبي ثور و إسحاق و جماعة ، و
الثالث أن لها السكنى و لا نفقة و هو قول مالك و الشافعي و جماعة ، و سبب
اختلافهم هو اختلاف الرواية في حديث فاطمة بنت قيس و معارضة ظاهر الكتاب له
، فاستدل من يوجب لها نفقة و لا سكنى بما روي في حديث فاطمة بنت قيس أنها
قالت : " طلقني زوجي ثلاثا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فأتيت
النبي صلى الله عليـه
رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما السكنى و النفقة لمن لزوجها عليها
الرجعة " ، و هذا القول مروي عن علي و ابن عباس و جابر بن عبد الله ، و أما
الذين أوجبوا لها السكنى دون النفقة فانهم احتجوا بما رواه مالك في موطئه
من حديث فاطمة المذكور فيه : " فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ليس
لك عليه نفقة " : و أمرها أن تعتد في بيت أم مكتوم و لم يذكر فيها إسقاط
السكنى ، فيبقى على عمومه في قوله تعالى : ) اسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم
( و صاروا إلى وجوب النفقة لها لكون النفقة تابعة لوجوب الإسكان في الرجعة
و في الحامل و في نفس الزوجية بالجملة ، فحيثما و جبت السكنى في الشرع و
جبت النفقة ، وروي عن عمر أنه قال في حديث فاطمة هذا ، لا ندع كتاب نبينا و
سنته لقول امرأة ، يريد قوله تعالى : ) اسكنوهن من حيث سكنتم من وحيكم ( ،
و لان المعروف من سنته عليه السلام أنه واجب النفقة حيث تجب السكنى ، فذلك
الأولى في هذه المسألة أن يقال لها الأمرين جميعا ... « (1) .
و
بذلك يكون المشرع المغربي في مدونة الأسرة قد تبنى رأي الإمام مالك بخصوص
استحقاق المطلقة طلاقا بائنا حق السكنى فقط دون حقها في النفقة خلال فترة
العدة ، لكون الطلاق البائن ينهي الزوجية حالا بمجرد وقوعه ، عكس الطلاق
الرجعي الذي تبقى فيه مستمرة إلى حين انتهاء عدة المطلقة مما يجعلها تستحق
فيه النفقة و السكنى معا .
لكن
إذا كان التوجه العام الذي تأخذ به جل أقسام قضاء الأسرة عدم استحقاق
المطلقة بسبب الشقاق للنفقة ، كما تؤكد ذلك العديد من الأحكام القضائية
الصادرة في الموضوع ، فان هناك من يحدوا عنه كما هو الشأن بالنسبة لقسم
قضاء الأسرة التابع لابتدائية تاونات ، حيث يجعل النفقة أثناء العدة من ضمن
المستحقات التي يحكم بها لفائدة الزوجة المطلقة في دعاوي الشقاق ، فمما
جاء في الحكم القضائي الصادر عنه بتاريخ 05/10/2005 ما يلي : » ... حول
النفقة أثناء العدة :
و حيث أن نفقة المطلقة تبقى في مال مطلقها فترة عدتها مع اعتبار حاله و قد ارتأت المحكمة تحديدها في مبلغ 9000 درهم ... « (1) .
أضف تعليق