إعلان علوي

الركن المفترض (الركن المعنوي) في جريمة الرشوة الانتخابية



الركن المعنوي 
اولا/ الركن المفترض
تقتضي جريمة الرشوة وجود شخصين: الأول يقبل ما يعرض عليه من فائدة أو وعد بها أو يطلب شيئا من ذلك، مقابل قيامه بعمل أو امتناعه عن عمل، فذلك هو الموظف في جريمة الرشوة في مجال الوظيفة العامة، والناخب في جريمة الرشوة الانتخابية، والشخص الثاني يتقدم بالعطية أو الوعد بها ليؤدي له العمل أو الامتناع عنه، فذلك هو المواطن صاحب الحاجة أو المصلحة في جريمة الرشوة العادية ، والمرشح أو غيره في جريمة الرشوة الانتخابية 
وعلى هذا الأساس نجد أن جريمة الرشوة تتكون من جريمتين أحدهما ايجابية، والثانية سلبية ، هما جريمة الراشي وجريمة المرتشي، فجريمة الراشي أو صاحب الحاجة يصطلح عليها الفقهاء تسمية الجريمة الايجابية، وجريمة المرتشي الذي يأخذ المقابل أو يقبله أو يطلبه يصطلح عليها تسمية الجريمة السلبية .
وجريمة الرشوة الانتخابية لا تتطلب صفة خاصة تتعلق بشخص الراشي بأن يكون أحد المرشحين فيستوي أن يكون أحد المرشحين أو أن يكون غيره ممن تتوافر بشأنهم هذه الصفة ، وذلك لعموم صياغة النصوص القانونية حيث لم يشترط المشرع الانتخابي الجزائري والمغربي، والتونسي أية صفة معينة للراشي 
حيث عبر المشرع الجزائري صراحة عن ذلك بـــــ ” …كل من قدم هبات نقدا أو عينا أو وعد بتقديمها ، وكذلك كل من وعد بوظائف عمومية أو خاصة أو مزايا أخرى خاصة … ، وكل من حصل أو حاول الحصول على أصواتهم سواء مباشرة أو بواسطة الغير ، وكل من حمل أو من حاول أن يحمل ناخبا ….” 
كما عبر المشرع المغربي صراحة بـــــ” ..كل من استعمل هدايا أو تبرعات نقدية أو عنية أو ووعد بها أو وظائف عامة أو خاصة أو منافع أخرى..أو استعمل نفس الوسائل لحمل أو محاولة حمل مصوت أو عدة مصوتين على الإمساك عن التصويت. “
         وعبر كذلك بــــ ” …كل شخص قام خلا الحملة الانتخابية بتقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها أو هبات إدارية إما لجماعة ترابية أو لمجموعة من المواطنين ، سواء كان قصد التأثير في تصويت النّاخبين أو بعض منهم “
كما عبر المشرع التونسي صراحة بـــــ”… كل شخص تم ضبطه بصدد تقديم تبرعات نقدية أو عينية قصد التأثير على الناخب أو استعمل نفس الوسائل لحمل الناخب على الإمساك عن التصويت …”
أما بالنسبة لصفة المرتشي فيقتضي أن يكون ناخبا، وهو الشخص الذي يأخذ أو يطلب أو يقبل العطية أو الوعد بها ، ويشترط أن تتوافر بشأنه صفة الناخب أي أحد أعضاء هيئة الناخبين وقت ارتكاب السلوك الإجرامي دون توقف على استمرار تمتعه بهذه الصفة بعد تمام السلوك الإجرامي ، كما لا يشترط صحة قيده في جداول الانتخاب، ومن ثم فإن صفة الناخب تعد ” شرطا مفترضا ” في جريمة الرشوة الانتخابية ولا اكتمال لنموذجها القانوني بغير تحقق هذه الصفة “
وان كان كل من المشرعين الجزائري والمغربي طبقا لأحكام المواد المذكورة أعلاه لم يشترطا صراحة في المرتشي أن يكون ناخبا عند النص على جريمة قبول أو طلب الهبات أو الوعود ، حيث جاءت العبارة على إطلاقها أين عبر المشرع الجزائري عنها في المادة 224 فقرة 2 من القانون العضوي للانتخابات رقم 12/01  بـــــ” …وتطبق نفس العقوبات على كل من قبل أو طلب نفس الهبات أو الوعود …” وعند المشرع المغربي جاءت عبارة ” … يحكم بالعقوبات المشار إليها أعلاه على الأشخاص الذين قبلوا أو التمسوا الهدايا أو التبرعات أو الوعود ….” 
وهو الأمر الذي يفهم منه أن القبول أو الطلب قد يرد من شخص الناخب أو غير الناخب، وهناك من ذهب في تفسير الغرض من ذلك بأنه يتمثل في مواجهة المرتشي إذا كان شخصا اعتباريا وليس شخصا طبيعيا 
أما بالنسبة للمشرع التونسي ومن خلال الفصل 161 مطة 1 المذكور أعلاه نلاحظ بأنه اقتصر على تجريم فعل الراشي بتقديم التبرعات النقدية أو العينية قصد التأثير على الناخب، أو استعمال نفس الوسائل لحمل الناخب على الإمساك عن التصويت دون أن ينصّ على تجريم فعل المرتشي أي القبول أو الطلب بنفس الوسائل.
أما بخصوص الوسيط وهو الراشي في جريمة الرشوة الانتخابية، فلا يشترط فيه أي صفة خاصة، فقد يكون أحد أعضاء هيئة الناخبين أو غيره، فالوسيط في الرشوة الانتخابية مثله مثل الوسيط في جريمة الرشوة الوظيفية، وهو الشخص الذي يتوسط لصاحب المصلحة لدى الموظّف العام للقيام بعمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه.وفي مجال الرشوة الانتخابية هو ذلك الشخص الذي يمثل حلقة الوصل بين المرشح والناخب وذلك عن طريق التدخل لدى الراشي أو المرتشي بنشاط يصدر من جانبه يكون من شأنه العمل على الإيجاب الصادر من الراشي مع القبول الصادر من المرتشي أو العكس .
وبالنظر إلى ما جاء به المشرع الجزائري في نص المادة 211 من القانون العضوي 16/10 والتي تنص “… كل من قدم هبات نقدا أو عينا أو وعد بتقديمها ، وكذلك من حصل أو حاول الحصول … وكل من حمل أو حاول أن يحمل ناخبا أو عدة ناخبين ، …. وتطبق نفس العقوبات على كل من قبل أو طلب …”، وبالنظر كذلك إلى ما جاء به المشرع التونسي في الفصل 161 مطة 1 التي تنص ” كل شخص تم ضبطه بصدد تقديم .. أو استعمل نفس الوسائل لحمل الناخب …” نجد أنهما لم يشيرا بشكل واضح وصريح لمسألة الوساطة في جريمة الرشوة الانتخابية، ونجد أن العبارة جاءت مطلقة ، ودليل إطلاقها لفظ ” كل من ” ومن ثم نستشف بأن الوسيط هو الآخر مخاطب بالتجريم، طالما أنه ارتكب فعل منح الفائدة أو على الأقل عرضها على الناخب لحمله على إبداء رأيه على وجه معين 
 وهذا بخلاف المشرع المغربي الذي نص صراحة على جنحة الوساطة في جريمة الرشوة الانتخابية على وجه الخصوص، وأفرد لها فترة قانونية ، وذلك بعد أن كشفت التجربة أن مجموعة من سماسرة الانتخابات والوسطاء يفتلون من العقاب خاصة وأن القواعد العامة للاشتراك الجنائي لا تكفي لاستيعاب كل حالات الانحراف الانتخابي في هذا الصدد ، لذا تدخل المشرع وأضاف فقرة جديدة تتعلق بفعل التجريم من جانب الراشين والمرتشين وهم الوسطاء حيث جاء في العبارة  “وكذا الأشخاص الذين توسطوا في تقديمها ….”
وقد أكد القضاء الجنائي في المغرب من قبل على هذه المسألة في إحدى قراراته قبل أن يتدخل المشرع الانتخابي لينص عليه ، والتي جاء فيها” …. وحيث أنه كون المتهم ليس ناخبا  ولا مرشحا، فإن ما قام به يشكل جنحة التوسط في تقديم وعود نقدية قصد الحصول على أصوات الناخبين لأحد المرشحين لانتخاب تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين.” 
        وكان هذا القرار قد بني على حكم سابق لنفس المحكمة بتاريخ 30/11/2006  والذي جاء فيه “أن ثبوت جنحة الوساطة في الرشوة الانتخابية في حق أحد المتهمين يكون كافيا للقول بإدانة المتهم المرشح من أجل جنحة الحصول أو محاولة الحصول على أصوات الناخبين بفضل تقديم الأموال والهدايا والتبرعات…. لأنّ هذه الجنحة – إلى حد هذا الحكم – تتحقق سواء قام بها الفاعل مباشرة أو بواسطة الغير.”
لذلك نهيب بكل من المشرعين الجزائري والتونسي أن يحذو حذو المشرع المغربي بخصوص النص صراحة على تجريم الوساطة في الرشوة الانتخابية بصفة منفردة، مع تحديد فترة زمنية يعتد بها لقيام مسؤولية الوسيط حتى لا يترك الأمر على إطلاقه، ويؤدي إلى إفلات الكثيرين من العقاب رغم تسهيلهم ارتكاب هذه الجريمة.

ليست هناك تعليقات