مفهوم المستهلك في التشريع الجزائري
مفهوم المستهلك في التشريع الجزائري:
إن المشرع الجزائري خلال مراحل تطوره في مجال ضمان حماية المستهلك واكب كغيره تطور حركة حماية المستهلك في العالم خاصة بعد الانفتاح الاقتصادي الذي تبنته الجزائر، وصدور أول نص قانون خاص بحماية المستهلك حيث كانت هذه الحماية في ظل الاقتصاد الموجه مقتصرة على بعض المواد ضمن القانون المدني ولم يكن لمصطلح المستهلك وجود في هذه المواد بل كان مصطلح المشتري هو السائد، ونتناول بالتفصيل مفهوم المستهلك في التشريع الجزائري في المرحلة السابقة على صدور أول قانون مستقل خاص بحماية المستهلك ثم نتناول مفهومه من
خلال النصوص الجديدة.
1 - مفهوم المستهلك في التشريع الجزائري السابق :
02 المؤرخ في 07 فيفري 1989 م المتعلق بالقواعد / من خلال القانون رقم 89 العامة لحماية المستهلك، 2نلاحظ أن المشرع الجزائري لم يقحم نفسه في وضع تعريف للمستهلك بل اكتفى بوضع القواعد والآليات العامة لحمايته.
لكن وفي وقت لاحق تبنى المشرع الجزائري أول تعريف قانوني للمستهلك من م 39 المتعلق بمراقبة الجودة وقمع الغش، في مادته / خلال المرسوم التنفيذي رقم 90 الثانية في فقرته الأخيرة حيث عرف المستهلك على أنه :"كل شخص يقتني بثمن أو مجانا منتوجا أو خدمة معدين للاستعمال الوسيطي أو النهائي لسد حاجاته الشخصية أو حاجة شخص آخر أو حيوان يتكفل به. "
من خلال هذا التعريف الذي أورده المشرع الجزائري يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
- إن استعمال المشرع لعبارة "شخص يقتني" قد قصر دائرة الحماية على المقتني للمنتوج أو الخدمة فقط دون غيره فالمستعمل حسبه لا يعنى بهذه الحماية.
- اتساع نطاق تطبيق مفهوم المستهلك وقانون حماية المستهلك من حيث الموضوع مادامت كل الأموال يمكن أن تكون محلا للاستهلاك، إذا كانت لغرض الاستعمال الشخصي.
- إن استعمال المشرع لعبارة "معدين للاستعمال الوسيط أو النهائي "يعد توسعا لا مبرر له لأنها تناقض ما يليها من عبارة "لسد حاجاته الشخصية أو حاجة شخص آخر أو حيوان يتكفل به" فلا يمكن التوفيق بين الاستعمال لأغراض استثمارية واستعمال لسد حاجات شخصية أو عائلية وإلا فقد قانون حماية المستهلك كل خصوصيته وفلسفته التي يقوم عليها.
- إن عبارة "أو حاجة شخص آخر أو حيوان يتكفل به" ينبغي أن تمتد إليهم الحماية لأن الاقتناء تم لفائدتهم فعقد الاستهلاك لا يقتصر على أطرافه فقط المحترف المقتني بل يمتد إلى الأشخاص الذين هم في كفالة المقتني.
من خلال هذه المادة يمكننا أن نستنتج أن المشرع الجزائري قد تبنى الاتجاه الضيق لمفهوم المستهلك, وذلك لكونه جعل الاستعمال الشخصي أو العائلي أساسا لصفة المستهلك, مما يفيد باستبعاد المهني, ومما يؤكد هذا الرأي ما جاء به المرسوم 254 حيث نصت المادة 2 منه على أنه "يقصد بالمنتوج الاستهلاكي في / التنفيذي 97 مفهوم هذا المرسوم المنتوج النهائي الموجه للاستعمال الشخصي للمستهلك، لا تعتبر المواد المستعملة في إطار نشاط مهني كمنتوجات استهلاكية في مفهوم هذا المرسوم ".
باستقراء هذه المادة لاسيما الفقرة الثانية منها, نلاحظ أنه تم استبعاد المهني من دائرة المستهلك, وبالتالي تبني المفهوم الضيق للمستهلك من طرف المشرع الجزائري, بالإضافة إلى اعتماده على مصطلح شخص دون ذكر الشخص المعنوي صراحة, مما يؤدي إلى قصر صفة المستهلك في هذه النصوص على الشخص الطبيعي, وذلك تأسيا على صيغة النصوص والعبارات المستعملة والتي تتمثل في الاستعمال الشخصي أو العائلي, فهذه العبارات توحي بما لا يدع مجالا للشك في أن المقصود بالشخص هنا هو الشخص الطبيعي دون غيره.
2- مفهوم المستهلك في التشريع الجزائري من خلال النصوص الجديدة:
لقد شهد مفهوم المستهلك تطورا من طرف المشرع الجزائري شأنه في ذلك شأن باقي التشريعات في العالم وذلك من خلال النصوص القانونية التي استحدثتها 02 المتعلق بالممارسات / حيث ورد في المادة الثالثة الفقرة الثانية من قانو ن 04 التجارية تعريف المستهلك على أنه: "كل شخص طبيعي أو معنوي يقتني سلعا قدمت للبيع، أو يستفيد من خدمات عرضت ومجردة من كل طابع مهني."
من خلال هذا التعريف الذي جاء به المشرع يشمل مفهوم المستهلك كافة الأشخاص الطبيعية أو المعنوية المجردة من الطابع المهني.
كما عرفت المادة 03 الفقرة 01 من القانون الجديد المتعلق بحماية المستهلك 03 المؤرخ في: 25 فبراير 2009 م بأنه: "كل شخص طبيعي / وقمع الغش رقم: 09 أو معنوي يقتني بمقابل أو مجانا، سلعة أو خدمة موجهة للاستعمال النهائي من أجل تلبية حاجاته الشخصية أو تلبية حاجة شخص آخر أو حيوان متكفل به".
بالنظر إلى المادتين السابقتين يتضح موقف المشرع في تأكيده وإبقائه على صفة المستهلك بالنسبة للاستعمال الشخصي أو العائلي، لكنه وسع من دائرة الحماية أكثر بإدراج الشخص المعنوي واعتباره مستهلكا يستفيد من الحماية القانونية المقررة له.
لكن المشرع بإعطاء الشخص المعنوي صفة المستهلك فإنه من الصعب جدا معرفة ما إذا كان الشخص المعنوي الذي يقوم بإبرام عقود مع غيره قصد الحصول على منتوجات متصرفا لأغراض مهنية أم لا؟
وهل سيؤدي ذلك بالمنتج لأن يسأل عن الغرض الذي يستعمل فيها هذا الشخص السلعة التي اقتناها ؟ .
فمعرفة الهدف من عملية الاقتناء أمر غاية في الأهمية لأنه سيؤدي إلى التفرقة بين المستهلك والمهني.
وقد أختلف الفقه والقضاء في الدول الغربية عن الأساس الذي بموجبه يتمتع الشخص المعنوي بصفة المستهلك بين مؤيد ومعارض، بخلاف المشرع الفرنسي الذي لم يضع مفهوما للمستهلك، فإن القضاء أجتهد في وضع معايير لإسباغ صفة
المستهلك على الشخص المعنوي.
ففي أولى قراراته عمل القضاء الفرنسي في شأن حماية المستهلك على إنكار هذه الصفة على الشخص المعنوي، لكن في نفس الوقت أعترف له بإمكانية استفادته من الحماية من البنود التعسفية طالما كان التصرف الذي قام به الشخص المعنوي، لا يدخل مباشرة في صميم نشاطه.
والغالب أن يكون المستهلك شخصا طبيعيا غير أنه لا يوجد ما يمنع قانونا من تخويل بعض الأشخاص الاعتبارية الخاصة صفة المستهلك كما هو الأمر بالنسبة للجمعيات التي تمارس بعض الأنشطة غير المهنية ولا تهدف إلى تحقيق الربح.
ويرى بعض الفقهاء أن إدخال الشخصيات المعنوية كالنقابات والجمعيات في طائفة المستهلكين له ما يبرره فإنها لا تمارس نشاطا مهنيا تحصل منه على مواردها المالية.
2005 م، تبنت محكمة /03/ وبعد تعديل قانون الاستهلاك الفرنسي ف ي 15 النقض فكرة أن الشخص المعنوي لا يعد مستهلكا، بل "غير مهني" يمكن أن تمتد إليه الحماية بشأن الشروط التعسفية، وقد تدعم هذا الاتجاه بقرار حديث صدر في 2001/04/02 م، حيث أصبح المعيار المعتمد عليه في التمييز بين المستهلك والمهني هو صفة غير المهني وكذا الغاية من التصرف.
الملاحظ أن المشرع الجزائري تأثر بنظيره الفرنسي حيث قرر هذا الأخير حماية الشخص المعنوي ضد الشروط التعسفية في مرحلة سابقة، نظرا لغموض مفهوم المستهلك فكان على المشرع الجزائري أن يعترف بهذه الحماية في مجال "الشروط التعسفية"، وأن تحدد الأشخاص المعنوية التي تستفيد من هذه الحماية أو أن يعفى الأشخاص المعنوية من هذه الحماية كي يتجنب الوقوع في تناقضات هو في غنى عنها.
إن المشرع الجزائري أعتبر الشخص المعنوي مستهلكا في قانون 2004 م 306 المتعلق بالحماية من الشروط التعسفية، / و 2009 م وبالنظر للمرسوم رقم 06 نجد إشكالا في تبنيه لمصطلح واحد بشأن المهني الذي يطلق عليه لفظ العون الاقتصادي.
ومن خلال التعريف الذي وضعه المشرع لتحديد مفهوم المستهلك يمكن تسجيل
الملاحظات التالية:
- إن قيام المشرع الجزائري بوضع تعريف للمستهلك قد أقفل الباب في وجه اجتهاد الفقه والقضاء التي توكل إليهم عادة مهمة وضع التعاريف القانونية
كاختصاص أصيل لهم، وما قام به المشرع الجزائري هو تقييد لاجتهاد الفقه والقضاء على حد سواء.
- إن استعمال المشرع في تعريفه للمستهلك مصطلح "يقتني" قد أخرج بهذا "المستعمل" من دائرة الحماية فالمقتني غالبا ما يستعمل السلعة أو الخدمة فماذا لو استعملت من طرف الغير لغرض غير مهني، فعلى المشرع أن يتدارك هذا الخلل في الصياغة حيث تشمل الحماية المقتني بالإضافة للمستعمل.
- إن عقد الاستهلاك لا يقتصر على أطرافه فقط المحترف والمقتني بل يمتد إلى الأشخاص الذين تتم لفائدتهم عمل الاقتناء فنص المشرع "أو تلبية حاجة شخص آخر أو حيوان متكفل به " فينبغي اعتبار الشخص الآخر، والحيوان مستهلكين تمتد
إليهم الحماية.
- إن عقد الاستهلاك هو من عقود المعاوضة، بمعنى أن كلا طرفيه يأخذ مقابلا فالمنتج أو العارض للسلعة أو الخدمة يقدم منتوج أو خدمة ويأخذ أجرا مقابل ذلك، وهذا يتعارض مع نص المشرع في تعريف المستهلك "....يقتني بمقابل أو مجانا".
أضف تعليق