مظاهر نفاذ الحق الشخصي في القانون الجزائري
مظاهر نفاذ الحق الشخصي
إن مظاهر نفاذ الحق الشخصي متعددة إذ أن كل الحقوق الشخصية نافذة في مواجهة الغير.
إلا أنه يعد مركز ضعف الدائن العادي من أهم هذه المظاهر إذ هو من الغير ولا يمكن وصفه بخلف .
فلم تنتقل إليه حقوق من سلفه بل له حق الضمان العام على جميع أموال المدين وهذا الضمان يجعله يتأثر بجميع العقود التي يبرمها سلفه ويمكنه الاحتجاج بجميع العقود التي أبرمها سلفه ، كما يمكن أن يحتج في مواجهته بجميع هذه العقود.
فمركز الدائن الضعيف هو أقوى دليل على نفاذ الحقوق الشخصية في مواجهة الغير ، فجميع العقود المولدة لحقوق استفاد منها السلف، لأنها أضافت عناصر إيجابية للذمة المالية، يستطيع الدائن التمسك بها وتكون نافذة في مواجهته ولا يستطيع المدين الاحتجاج بمبدأ نسبية العقد ليستفيد وحده من ذلك.
وكذلك إذا كان ما أبرمه السلف من عقود ترتبت عنه عناصر سلبية أفقرت الذمة المالية للمدين فتكون نافذة في مواجهة الدائن سواء انقضى الحق أو ترتب عن ذلك التزامات جديدة تنقص من الضمان العام .
فالدعوى غير المباشرة وإن كان يمارسها الدائن باسم مدينه ولحسابه ولكن تخويل الدائن حق ممارستها يفترض أن الحقوق التي اكتسبها سلفه بمقتضى عقد تكون نافذة في مواجهة الدائن ، كما أن الزيادة في الالتزامات تعني وجود دائنين آخرين متساوون في الضمان وتكون حقوق هؤلاء نافذة في مواجهة الدائن إذ يقتسمون مال المدين قسمة غرماء ، فهم متساوون في الضمان.
ولكن إذا كانت هذه مظاهر نفاذ الحق الشخصي فهل تحقق نفس مفعول نفاذ الحق العيني؟
فصاحب الحق الشخصي لا يستطيع رفع دعوى استحقاق أو دعوى استرداد على الغير ذلك لأن هذه الدعاوى عينية إلى جانب أن طبيعة الحق الشخصي تجعل المتعاقد المتضرر يطالب الغير بالتعويض العيني متى كان ذلك ممكنا وغالبا ما تكون مطالبة الغير بالتعويض النقدي فقط .
فالغير الذي تعاقد مشتركا مع الغير في الإخلال بالتزام سابق لا يمكن مطالبته إلا بالتعويض النقدي لأن التنفيذ العيني يطالب به المتعاقد معه المباشر.فإذا كان المشتري للشيء الموعود بيعه للغير يعلم بالوعد فهل يمكن الموعود له مطالبة الغير بالتنفيذ العيني أي إرجاع العين إلى المتصرف ؟ وعلى أي أساس يكون ذلك ، فهل قواعد نفاذ الحق الشخصي كافية لإلزام الغير بالتعويض العيني مثلما تعرضنا له في الحق العيني ؟
فالحق الشخصي المتولد عن عقد الوعد بالبيع والذي يلتزم فيه الشخص ببيع حق مالي معين في خلال فترة معينة وبثمن معين ، فإن كان لا يحوز الموعود له بالبيع إلا حق شخصي وإن كان يجوز له رفع دعوى ليحصل على حكم يقوم مقام العقد في العلاقة بين الواعد والموعود له تطبيقا للمادة 72 مدني، إلا أن موضوع نفاذ العقد يتعلق بتصرف الواعد في العين .
وإعمال قواعد النفاذ تعني إمكانية استرجاع الموعود له بالبيع العين من الغير المتصرف إليه متى أبدى رغبته في الوقت المحدد أم فقط مطالبته بالتعويض على أساس علم المتصرف إليه بالوعد ؟ .
فإذا أمكن إبطال التصرف الثاني على أساس الغش فهذا يتعلق بقواعد عدم النفاذ ،أي عدم نفاذ التصرف الثاني وليس على أساس عدم نفاذ التصرف الأول.فهو لا يملك حتى مطالبة المتعاقد معه المباشر أي الواعد بالتنفيذ العيني لأنه أصبح غير ممكن ولا يمكنه إلا مطالبته بالتعويض فقط ، فكيف يمكنه مطالبة الغير باسترجاع الحق محل التصرف لأن التصرف للغير حسن النية والذي اعتمد على الشهر يجعل نقل الحق العيني إلى الموعود له مستحيلا أو غير ممكن .
فلا يستطيع المشتري الأول مطالبة البائع الذي تصرف لمشتري ثان بالتنفيذ العيني لأن التنفيذ العيني أصبح مستحيلا بمجرد التصرف ، ولا يمكنه أن يطالبه بدعوى استحقاق لأنه غير مالك كما لا يمكنه رفع دعوى استحقاق على الغير باعتبار أن له عقد وعد بالبيع فقط ( المشتري الأول ) فلا يكون له إلا الرجوع بحق شخصي مثله مثل الموعود له بحق شخصي.ولا يمكنه مطالبة الغير بدعوى استحقاق بل له في ذلك رفع دعوى المسؤولية التقصيرية للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي يكون قد لحقه ولابد لذلك من وجود خطأ نتيجة علم المتصرف إليه الثاني بالتصرف الأول ، لكن هل هذا العلم يترتب عنه التنفيذ العيني ؟
إن سوء النية لا يؤدي إلى استبعاد قواعد الشهر في مجال قواعد النفاذ، فالشهر أدى وظيفته وهي انتقال الملكية.
ولا يمكن المشتري الأول إلا المطالبة بإبطال التصرف، وسوء النية وحده لا يبطل التصرف بل لا بد من الغش وتواطؤ وهذا لا يعني التضييق من قواعد النفاذ .
بينما لو كنا أمام حق عيني كمشتري منقول انتقلت إليه الملكية بمجرد العقد وتصرف البائع في الشيء مرة أخرى إلى الغير وكان الغير عالم بالبيع الأول يستطيع المشتري الأول مطالبته بالتنفيذ العيني لأن المشتري الثاني سيئ النية ولا يمكنه التمسك بقاعدة الحيازة.
لكن يلاحظ أنه إذا كان الحق الشخصي قائم على التزام سلبي فالذي شارك الغير في الإخلال به كالالتزام بعدم المنافسة أو الالتزام بعدم تصدير الشيء المبيع فنفاذ الحق الشخصي يترتب عنه مطالبة الغير بالتعويض العيني أي بوقف العمل بما يخالف الحق الشخصي المتولد عن العقد ،
وعلى هذا الأساس قيل أنه لا يمكن القول أن نفاذ الحق العيني أكثر فعالية من نفاذ الحق الشخصي باعتبار أنه بالنسبة للأول يمكن دائما المطالبة بالتعويض العيني ولا يمكن للمتعاقد صاحب الحق الشخصي إلا المطالبة بالتعويض النقدي.
بل أن الاختلاف لا يكمن في كيفية نفاذ الحق الشخصي ونفاذ الحق العيني بل يكون بالنظر إلى التزام المتعاقد فإذا كان التزام بالامتناع عن عمل يترتب على نفاذ صاحب الحق المطالبة بالتعويض العيني ، فالالتزام بعدم المنافسة أو عدم التصدير يكون نافذ في مواجهة الغير الذي اشترى من الملتزم ويترتب عليه وقف العمل الصادر من الغير والمخل بهذا الالتزام.
فالتعويض العيني مرتبط بنوع الالتزام ، فإذا كان التزام المتعاقد التزام إيجابي وشاركه الغير في الإخلال به فلا يمكن مطالبة الغير إلا بالتعويض وهذا نتيجة طبيعة هذا الالتزام ومضمون قواعد النفاذ الذي لا يمكن أن يرتب في ذمة الغير التزام إيجابي.
ولكن هذا لا يمنع أن الكل متفق على أن صاحب الحق العيني يتمتع بوضعية أفضلية خاصة تختلف عن الحق الشخصي حيث يكفي صاحب الحق العيني إثبات حقه ( كالملكية ) ليتمكن من استرداد الشيء في حالة التعرض بينما صاحب الحق الشخصي لا يكفيه إثبات وجود هذا الحق بل لابد عليه إثبات خطأ الغير وهذا أيضا لا يمكنه إلا نادرا المطالبة بالتعويض العيني .
وغالبا ما تكون السلطة التقديرية للقاضي لهذا يرى البعض أن اعتبار الحق العيني حقا مانعا يؤدي إلى تواجد نوعين من النفاذ – نفاذ الحق العيني ونفاذ الحق الشخصي.
ومهما كان الأمر فلا شك في أن اختلاف الحقين أمرا مفروغا منه يترتب عنه أن نفاذهما في مواجهة الغير يختلف إذ لا يمكن مطالبة الغير بالتعويض العيني إلا إذا كان التزام المتعاقد التزام سلبي أي التزام بامتناع عن عمل على النحو السابق ذكره.
أضف تعليق