أسباب إنشاء المحكمة الجنائية الدولية
أسباب إنشاء المحكمة الجنائية الدولية
إن قضية الجنرال "أغسطو بينوشيه" الديكتاتور الشيلي الأسبق عندما قام بارتكاب جرائم ضد الإنسانية إبان فترة حكمه والذي أدى إلى القبض عليه في لندن وتم تسليمه إلى إسبانيا لمحاكمته هناك عملا بمبدأ عالمية الاختصاص القضائي ،ورغم ذلك لم يتم محاكمته لعدم تمتعه بالأهلية العقلية اللازمة، لذلك أفرج عنه في مارس 2000، وعاد إلى الشيلي وهذا سبب من الأسباب التي تؤدي إلى معرفة مدى الحاجة الفعلية للمحكمة الجنائية الدولية خاصة بعد انتشار الانتهاكات لحقوق الإنسان وللقانون الدولي الإنساني ومن الجدير بالذكر أن إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة سوف يحقق المصلحة الدولية المشتركة ويعمل على تثبيت دعائم القانون الدولي الجنائي، ذلك القانون الذي شاركت الدول في صياغته وإقراره أي أنه قانون يرجى له الفاعلية والاحترام لأحكامه إنما يحتاج إلى جهاز قضائي مستقل ودائم حتى يعمل على تأكيد احترام هذه الأحكام ويحدد مسؤولية كل من يخرج عليها ويخالفها، إن مصداقية الدول على الاتفاقيات والمعاهدات التي تحظر الجرائم الدولية، والتي تضفي على بعض الأفعال صفة الجرائم الدولية ليس له إلا معنى واحد هو أن تلك الدول تعترف بمسؤولية دولية للأفراد تتحدى الواجبات والالتزامات المحلية المفروضة عليهم من قبل الدول ذاتها، ومن ناحية أخرى فإن النظام الدولي قد تطور في ظل منظمة الأمم المتحدة تطورا جذريا وأصبح يقوم على معايير واضحة ومؤسسة تأسيسا جيدا، غير أن تطبيق تلك المعايير مازال يواجه عجزا بسبب غياب الآليات الدولية المناسبة ومن ثم مازال المجتمع الدولي يعاني من ارتكاب جرائم دولية عديدة وقت الحرب ووقت السلم على السواء، ولتدارك ذلك وجب إنشاء محكمة جنائية دولية تكتسب شخصية قانونية دولية وتختص بمحاكمة الجرائم الدولية أو ذات الطبيعة الدولية وهذا ما يحقق فكرة العدالة لأحكام القانون الدولي، وهناك حجة أخرى يسوقها الفقه كمبرر لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية وهو أن إحالة الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم دولية إلى المحاكم الوطنية لمحاكمتهم يمكن أن يؤدي إلى صدور أحكام متناقضة وعقوبات مختلفة في قضايا متشابهة، الأمر الذي يقف حائلا دون تطور القانون الدولي الجنائي ويحد من فاعليته دون إيجاد سوابق وأحكام قضائية مستقرة يمكن الرجوع إليها مستقبلا.
ومن الأسباب الأخرى الداعية إلى إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة، إلا أن أي نظام قانوني جنائي لابد من أن يستهدف بالدرجة الأولى التأكيد على أن منتهكي أحكام هذا النظام سوف يتحملون مسؤولية الجرائم التي يرتكبونها بعد محاكمة عادلة .
ومن الحجج الداعية إلى إنشاء هذه المحكمة الدائمة أن البديل في حالة عدم وجود هذه المحكمة أن تظل محاكمة الجرائم الدولية خاصة بجرائم الحرب وجريمة العدوان والجرائم ضد الإنسانية ممكنة فقط في حالة انتصار وهزيمة الجانب الآخر. ففي هذه الحالة يقوم الطرف المنتصر بإنشاء محاكم مؤقتة لمحاكمة مجرمي الحرب من رعايا الطرف المهزوم.
هناك أسباب أخرى لإنشاء هذه المحكمة منها وضع حد للثقافة العالمية المتمثلة في الإفلات من العقوبة يكون فيها تقديم شخص ما للعدالة لقتله شخصا واحدا أسهل من تقديمه لها لقتله 100.000 شخص وشاركت في العملية أكثر من 200 منظمة غير حكومية والسبب الآخر هو الثغرات الموجودة في المحاكم الخاصة مثل محكمة رواندا ويوغسلافيا السابقة وأهمها إشكالية العدالة المختارة.
وأخيرا، فإن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية سيؤدي إلى الإقلاع من أعمال الانتقام أو المعاملة بالمثل التي تلجأ إليها الدول خاصة في زمن الحرب وذلك للضغط على إرادة الدول الأعداء لأن الدولة المعتدى عليها أو المضرورة يمكنها أن تلجأ إلى هذه المحكمة للمطالبة بمحاكمة المسئولين ومعاقبتهم على جرائمهم دون أن تكون بحاجة إلى اللجوء إلى الأعمال الانتقامية.
أضف تعليق