إعلان علوي

إلزام الغير ونفاذ العقد بالنسبة للالتزام السلبي في القانون الجزائري


إلزام الغير ونفاذ العقد
ثانيا/ بالنسبة للالتزام السلبي
لقد بينت أن إلزام الغير بالتزام إيجابي يتعارض مع مضمون النفاذ فهل هذا التعارض يقوم لو كان الالتزام سلبي ؟
فالالتزام بعدم المنافسة هو التزام يقوم بموجب اتفاق  يلتزم فيه أحد الأفراد  بأن لا يقيم مشروعا منافسا للطرف الأخر كاشتراط صاحب محل تجاري أو مصنع وهو يبيع أرضا مجاورة على أن لا يقوم المشتري بممارسة عمل منافس في حالة الاتفاق الصريح على ذلك.
فهل هذا الالتزام السلبي يلزم الخلف الخاص أي المشتري المتتابع وهو من الغير بالنسبة للاتفاق وهل مجرد العلم يجعل من هذا الالتزام يحد حق ملكية الخلف للمحل التجاري وهل قواعد النفاذ يمكن أن تشرح إلزام الخلف الخاص؟
ألاحظ في هذا الصدد أن هناك من يرى  أن قواعد نسبية العقد تفسر انتقال هذا الالتزام على أساس المادة 109 مدني التي تنص على ما يلي : (( إذا أنشأ العقد التزامات ، وحقوقا ، شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء ، إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه. )).
وأن هذا الالتزام يعد مقيدا لحق الخلف الخاص ولكن أرفض هذا بصفة قاطعة وذلك لأن القول بأن التزام الشخص أيا كان يحد من حق عيني يعد أمرا خاطئ وتجاهلا لمبادئ القانون المدني لأن الخلف الخاص هو من الغير بالنسبة لعقود   السلف وهذا ما هو مقرر في الفقه الفرنسي دون استثناء  .
فالالتزام الوحيد الذي يحد من حق عيني هو الالتزام العيني نظرا لارتباطه بالحق العيني والقول بغير هذا يعني أن مجموعة من الالتزامات الشخصية تنقل مثل الوعد بالبيع فيلزم الخلف الخاص الذي اشترى عين موعود بيعها من السلف لأن السلف قد حد من حريته في التصرف مدة معينة وهي مدة الوعد وهذا يحد من حق عيني وينقل إلى الخلف .
فهذا قول غير صحيح وبالتالي إن الالتزام بعدم المنافسة ليلزم الخلف الخاص، ونكون في إطار قواعد النفاذ لأنه من الغير، لا بد أن يكون حق عيني أو التزام عيني وهو ليس التزام عيني لأن الالتزام العيني ليس حق قائم في حد ذاته بل امتداد لحق عيني  وهو ليس بحق ارتفاق لأنه لا يمكن إدراجه ضمن الحقوق العينية لأن محله منقول (محل تجاري) و شرط عدم المنافسة تقرر لمصلحة المحل التجاري وليس لمصلحة العقار وهذا ما أقره حكم الدائرة المدنية الثالثة لمحكمة النقض الفرنسية 18/03/1987  حيث استبعدت الالتزام بعدم المنافسة من نطاق الالتزام العيني فهو لا يمكن أن يحد من حق الخلف الخاص.
بينما ذهبت الدائرة التجارية لمحكمة النقض الفرنسية 15/07/1987 إلى اعتبار ارتفاق أنشئه الأفراد  صحيح مادام الأفراد أحرار في إنشاء ارتفاقات ما دامت لا تخالف النظام العام الآداب العامة وأمام هذا الاختلاف في وجهات النظر فقد تراجعت الدائرة المدنية الثالثة لمحكمة النقض الفرنسية في حكم لها بتاريخ 23 /03 /1993 واعتبرت الالتزام بعدم المنافسة تكليف يقع على المتجر وينقل إلى مشتري المتجر الذي يلتزم بعدم المنافسة فهو نوع من حق الارتفاق ولعل السبب في ذلك هو الرغبة في توفير قدر من الاستقرار للأنشطة التجارية باستعمال الارتفاق باعتباره حق عيني وتكليف عيني   وبالتالي ينتقل كتكليف للخلف الخاص المتتابع.
ونظرا لأنه لا يوجد لدينا اجتهاد قضائي في هذا المجال وحتى قضاء محكمة النقض الفرنسية فإنه متردد في قبول ذلك لأنه يؤدي إلى  تجميد النشاط الاقتصادي على عقار  لفترة غير محددة   وبالتالي  فلا يمكن الاستناد إلى قواعد النفاذ لجعل الخلف الخاص يلتزم بهذا الالتزام الذي يظل شخصي فهو ليس حق عيني ولا التزام عيني .
وإذا قلنا بإمكانية تحويل الالتزام بعدم المنافسة إلى حق ارتفاق فنفاذه يعني تطبيق لقواعد النفاذ ، كما أن البعض يرى في ذلك تطبيقا لقواعد النفاذ حتى لو أن الخلف سيلتزم بالتزام إيجابي أو سلبي.
وهذه الرغبة من القضاء الفرنسي في تحويل الالتزامات الشخصية إلى عينية أو حق عيني يعد دليلا على نجاعة وسهولة,نفاذ الحق العيني أكثر من نفاذ الحق الشخصي وأنه كلما أمكن تحويل الالتزام السلبي- كالالتزام بعدم تعلية البناء أو الالتزام بعدم تحويل العين إلى محل مهني- إلى حق عيني أو التزام عيني يسري  نفاذها في مواجهة  الغير وخاصة إلزام الخلف بها استنادا إلى قواعد النفاذ.  فلا يمكن الاستناد إلى فكرة الالتزام العيني المستقل للقول بنفاذه ووضع استثناء من مبدأ نسبية العقد ، بل لابد أن يكون هذا الالتزام العيني تابع فعلا لحق عيني وضروري لاستغلال وممارسة صاحب الحق لحقه أو ممارسته.
وهذا القول يؤدي بنا إلى التساؤل عما إذا لم يكن نفاذ الحق هو من  مميزات الحق العيني فقط  أو على الأقل وجود نظامين متميزين للنفاذ ، نفاذ الحق العيني من جهة ونفاذ الحق الشخصي من جهة الأخرى  وهذا سأبرزه بالتفصيل في الباب الثاني.


 

ليست هناك تعليقات