إعلان علوي

الركن المادي لجريمة الرشوة الانتخابية في القانون الجزائري


جريمة الرشوة الانتخابية
الركن المادّي
     إن الركن المادي في جريمة الرشوة الانتخابية يتكون من ثلاثة عناصر هي:
السّلوك الإجرامي، النتيجة الإجرامية، والعلاقة السببية بين السلوك والنتيجة الإجرامية ، والسلوك الإجرامي يتحقق بوسائل عديدة غير مشروعة، حيث مما يلاحظ بخصوصها توسع كل من المشرعين الجزائري والمغربي في دائرة وسائل الإغراء التي قد يلجا إليها الجاني لاستمالة الناخبين وإضفاء عدم المشروعية على استعمال تلك الوسائل، حيث استخدم المشرعين الجزائري والمغربي ألفاظا فضفاضة ينذر بإدخال ما لا يعد ولا يحصى من الأفعال في دائرة التجريم 
حيث عدد المشرع الجزائري في نص المادة 211 من القانون العضوي 16/10 تلك الوسائل والتي تتوزع كما يلي:
-  الهبات سواء كانت نقدية أو عينية أو وعد بتقديمها
-  الوعد بالوظائف عمومية أو خاصة
-  وختم المشرع سلسلة الوسائل بوسيلة ” مزايا أخرى خاصة ” دون تحديد هذه المزايا ، ولكن المشرع الجزائري نص على مصطلح المزية في جريمة رشوة الموظفين العموميين في المادة 25 من قانون رقم 06/01 المتعلق  بالوقاية من الفساد ومكافحته في عبارة ” بمزية غير مستحقة”، وتعني المزية المقابل أو الفائدة أو المنفعة التي يحصل عليها المرتشي أين كان اسمها أو نوعها، سواء كانت هذه الفائدة أو المنفعة مادية أو غير مادية صريحة أو مستترة مشروعه أو غير مشروعه.
وحسنا فعل المشرع الجزائري عندما استخدم عبارة المزايا لأن هذه الأخيرة أوسع وأشمل وتحول دون خروج بعض الصور وإفلاتها من العقاب تحت مسميات مختلفة. وبهذا قد تكون المزية ذات طبيعة مادية أي مالية كالنقود، المجوهرات الهدايا، الهبات، العطايا، لأن جميعها يمكن أن تقويمه بالمال، كما قد تكون المزية ذات طبيعة معنوية كحصول الموظف على ترقية أحد أقاربه أو السعي للإفراج عن سجين 
ولم يكد يختلف المشرع المغربي عن نضيره الجزائري في هذا الشأن حيث ذكر مجموعة من الوسائل في المواد المشار إليها أعلاه وهي على النحو الآتي:
- الهدايا أو الهبات كيفما كان شكلها، سواء كانت هدية مادية، كتوزيع مبالغ مالية أو تقديم ألبسة أو تجهيزات منزلية،أو كانت هدية معنوية كتنظيم تكريم لمجموعة من الشباب أو المسنين في فترة انتخابية.
-  التبرعات ، سواء كانت نقدية كتقديم مبالغ مالية أو فتح حسابات بنكية للغير أو تسليم شيكات أو كانت عينية كتوزيع مواد غذائية او تقديم محلات للسكن .
-  الوعد بالهدايا أو التبرعات أو تقديم وعود بشأن توفير وظائف عامة أو خاصة،أو أي مناصب شغل في قطاع الدّولة أو في قطاع خاص ، وفي هذا الصدد اعتبرت محكمة الاستئناف بطنجة من خلال إحدى قراراتها” أن الوعود التي يقدمها المرشح لناخبيه يجب أن تبقى مقتصرة على تلك التي لها طابع عام والتي تدخل في مهام المنصب النيابي الذي يقع التنافس بشأنه، وأن تنأى عن الوعود الشخصية التي قد يحصل عليها الناخب قبل الإدلاء بصوته أو على إثر الإدلاء به.”
ويتفق موقف المحكمة هنا مع من يرى أن مجرد الوعد بتوفير وظائف عامة أو خاصة يبقى أمرا مشروعا، ذلك لأن برامج الأحزاب والمرشحين لا تخلو من الوعد بذلك 
-  الوعد بمنافع أخرى دون أن يحدد تفصيل لهذه المنافع والتي يقصد بها كل ما يشبع حاجة فردية سواء ترتب عليه فائدة مالية أو شخصية فلا ينصرف الاصطلاح إلى الأشياء وحسب، بل يشمل كافة المساعدات والتخفيضات والتسهيلات في الدفع ، كالتعيين لوظيفة أو النقل من وظيفة إلى أخرى
أما بخصوص الوسائل المستخدمة في جريمة الرشوة الانتخابية حسب توجه المشرع المغربي خلال الحملة الانتخابية وطبقا للنصوص القانونية المشار إليها سلفا، فتتمثل في الهدايا والتبرعات أو وعود بها هبات إدارية إما لجماعة ترابية وإما لمجموعة من المواطنين، وعبارة الهبات الإدارية تقابلها في القانون الفرنسي في المادة 108 منه عبارة “faveurs administratives “
وبخلاف المشرعين الجزائري والمغربي، فإن المشرع التونسي اقتصر عند ذكر وسائل الإغراء في الفصل 161 مطة 1 السابق ذكره على تقديم التبرعات النقدية أو العينية من أجل التأثير على الناخب أو حمله على الإمساك على التصويت، بعكس المشرعين الجزائري والمغربي كما رأينا واللذين استخدما عبارات مفتوحةـ فالمشرع الجزائري  استخدم عبرة مزايا أخرى ، والمشرع المغربي استخدم عبارة منافع أخرى ” .ولا شك أن استخدام مثل هذه العبارات يلقي بالمسؤولية الكبيرة على القاضي الذي يجب أن يستعمل أقصى سلطته التقديرية لتحديد الوسائل الإغرائية التي تنهض كدليل يؤثر تأثيرا حقيقيا وسلبيا على حرية تصويت الناخبين وتلك التي لا تعتبر كذلك.
والجدير بالإشارة أن الوسائل الإغرائية في جريمة الرشوة الانتخابية لا يشترط فيها أن تكون مشروعة، لأنها قد تأتي كذلك في صورة غير مشروعة كالمواد المخدرة أو الأشياء المتحصّلة من سرقة
فضلا على كل ما سبق ذكره نجد أن كل من المشرعين الجزائري والمغربي نصا على تجريم وسائل عرض الرشوة بتوجيهها الى جماعة من الناخبين، وليس فقط إلى ناخب بعينه بعبارة ” …ناخب أو عدة ناخبين .. ، وهو نفس التوجه الذي أخذ به المشرع الفرنسي كذلك في المادة 108 من قانون الانتخابات ، في حين اكتفى المشرع التونسي في المادة 161 فقرة 1 مطة 1 السالف ذكرها بتجريم تقديم تبرعات نقدية أو عينية إلى الناخب دون ذكر عبارة جموع الناخبين.
واللافت أنه اتفق كل من المشرعين الجزائري والمغربي دون المشرع التونسي على المسؤولية الجنائية عن سلوك الغير من خلال استمالة أصوات الناخبين باستعمال الوسائل الإغرائية، سواء تم ذلك بطريقة مباشرة من الفاعل نفسه أو بواسطة الغير، أي بمعنى تتقرر في حقهم مسؤولية المرشحين عن فعل غيرهم في الحصول أو محاولة الحصول على أصوات الناخبين
أما بخصوص وسائل الركن المادي لجريمة الرشوة الانتخابية ، فقد تتم بواسطة العرض أو الوعد أو تقديمها من قبل المرشح أو من له مصلحة في ذلك أو في حالة قبول أو طلب أو اخذ الناخب أو الوسيط الوسائل الإغرائية. والمقصود بالطلب هنا الرغبة والتعبير عن إرادة وينطوي على حث الراشي لتقديم الرشوة أو الوعد بها، وإذا كان الطلب عملا أوليا في فعل الرشوة إلا أنه كاف لتتم به الجريمة 
وعليه تتم الجريمة بمجرد الطلب دون اشتراط استجابة صاحب الحاجة لذلك الطلب، والأصل في الطلب أن يكون شفويا، ولكن ليس هناك ما يمنع حصوله كتابة إذا ما صيغ بعبارات تؤدي إلى ذلك ،كما يستوي أن يكون الطلب في صورة إشارة
أمّا القبول فيختلف عن الطلب كونه يفترض سلوكا من جانب الراشي سواء كان في صورة عطية أو عرضا أو وعد به. ويتطلب لتحقق هذه الصورة تلاقي إرادة الراشي وإرادة المرتشي دون أن يتوقف على تنفيذ الوعد أو العرض، ولا يشترط في القبول صورة معينة، فقد يصدر صراحة أو ضمنا، كتابة، أو شفاهة، وإذا كان الغالب فيه أن يصدر شفاهة وصراحة وضمنا إلا أنه نادرا ما يقع كتابة لتفادي إثبات الإدانة
وقبول الناخب للهدايا أو الهبات أو التّبرعات الانتخابية وغيرها، يفترض أن يكون هناك عرضا أي إيجابا من جانب المرشح أو الغير، ويجب أن يكون الناخب عالما بأن الغرض أو الهبة هو تصويته لفائدة مقدمها، أما إذا كان جاهلا للغرض الذي قدمت من أجله، فلا تتحقق الجريمة كأن يتسلم” مبلغا ماليا ” اعتقادا منه أن الأمر يتعلق بعمل خير محض 
ونفس الأمر بالنّسبة للأفعال التي تكون بإعطاء أو العرض أو المنح أو الوعد والالتزام به، والتي تصدر من شخص غير الناخب سواء كان “مرشحا” أو وكيلا ” انتخابيا “أو وسيطا، وذلك بغرض حمل الناخب على التصويت أو تغيير مجرى اتجاه إرادة النّاخب في التصويت 
وفي كل الأحوال يمكن ملاحظة أن المشرع الانتخابي في دول المغرب العربي استهدف من خلال تجريم الرشوة الانتخابية تجريم كل فعل يعمد إليه المرشح أو غيره بإفساد الناخبين أو النيل من حريتها تحت وطأة الإغراء المالي أو المعنوي أو تقديمه، وقد يتم ذلك بأداء الناخب عملا ” ايجابيا ” متمثلا في التصويت لصالح مرشح بعينه دون غيره ، وقد يكون مقابل امتناع أو عملا “سلبيا” متمثلا في عدم التصويت لصالح مرشح آخر بعينه سواء كان هذا الراشي هو المرشح أو غيره ، وهذا هو الغرض من الرشوة الانتخابية 
قد لخصت المحكمة الابتدائية بالرشيدية بالمغرب العناصر والأساليب السابق تفصيلها والتي تقوم على أساسها المسؤولية الجنائية عن جريمة الرشوة بالقول أن ” الإدانة من أجل جريمة انتخابية تتعلق بالحصول على أصوات الناخبين عن طريق تقديم المنافع قصد التأثير على تصويتهم تقتضي توفر العناصر التكوينية التالية:
• ثبوت صفة الفاعل باعتباره مرشحا
• حصول تقديم المنفعة إما مباشرة أو بواسطة الغير
• الحصول على صوت من قدمت له المنفعة
• صفة الطرف المدني المتضرر تثبت لكل مواطن ناخب تم التلاعب بإرادته واختياره الانتخابي.
والجدير بالذكر أن القوانين الانتخابية المغاربية تباينت من حيث التوقيت الزمني لارتكاب جريمة الرشوة الانتخابية، حيث حددها المشرع الجزائري بالنطاق الزمني لمرحلة التصويت وهو ما يستشف بوضوح من خلال عبارة ”  بقصد التأثير على ناخب أو عدة ناخبين عند قيامهم بالتصويت …” في حين أن المشرع المغربي ترك المجال الزمني دون تحديده أو تقييده بمدة أو مرحلة معينة، فقد تقع قبل أو أثناء أو بعد التصويت، غير أنه لم يعتمد نفس الصياغة بخصوص نفس الجريمة خلال الحملة الانتخابية التي سبقت الإشارة إليها، حيث تفترض مثل هذه الصياغة أن نفس الأعمال والمتمثلة في تقديم هدايا أو تبرعات أو وعود بها هبات إدارية إما لجماعة إدارية وإما لمجموعة من المواطنين لا يمكن أن تطالها المتابعة الجزائية، وبالتالي العقاب عليها إذا اقترفت خارج الحملة الانتخابية ، مع العلم أن مثل هذه الأفعال غالبا ما يتم اللجوء إليها من طرف المرشحين باستمالة أصوات الناخبين سواء قبل انطلاق الحملة أو بعد تصويته كمكافئة لاحقة لهم.
 وأمام هذه الوضعية يتوجب على المشرع المغربي حذف عبارة ” خلال الحملة الانتخابية” أو اعتماد الصياغة التي وردت في المادة 62 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب ، والمادة 62 من القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين، والمادة 65 من القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية، وقد سبقت الإشارة إليه 
أما بخصوص المشرع التونسي فقد حدد النطاق الزمني لجريمة الرشوة الانتخابية في الفصل 161 فقرة 1 مطة 1 قبل الاقتراع أي قبل إدلاء الناخب بصوته،أو أثناء الاقتراع أو بعده.
وفي كل الأحوال يشترط لتمام الركن المادي لجريمة الرشوة الانتخابية أن يتم تقديم العطية أو الفائدة أو المنفعة أو الوعد بها أو الطّلب أو القبول مقابل التأثير على رأي الناخبين أو مجموعة منهم في الانتخاب عن طريق إبداء الرأي على نحو معين أو الامتناع عن الإدلاء بما يتفق ومصلحة الراشي، وهذا ما يسمى بعنصر النتيجة الإجرامية بوصفها عنصرا من عناصر الركن المادي للجريمة، مع ضرورة وجود العلاقة السببية بين السلوك والنتيجة، بحيث لولا هذا السلوك لما وقعت النتيجة الإجرامية.
ومع ذلك ، فإن مسألة الشروع في جريمة الرشوة الانتخابية تبقى أمرا واردا ولازما للوقوع، مما يجعلها تختلف بالضرورة عن مفهوم المحاولة أو الشّروع المنصوص عليه في قانون العقوبات بحسب مسلك القضاء في المغرب، حيث ذهبت في هذا الصدد محكمة الاستئناف بالقنيطرة إلى اعتبار ” أن طلب المرشح المتهم من بعض الأعضاء الالتحاق بمنزله لبحث موضوع الزيادة المطالب بها من طرفهم يشكل شروعا في تنفيذ الركن المادي لجريمة محاولة الحصول على أصوات ناخبين مقابل مبالغ مالية، والتي لم تتحقق لسبب خارج عن إرادته تمثل في عدم حضور من ذكر من الأعضاء إلى منزله “
   وفي قرار آخر ذهبت محكمة الاستئناف ببني ملال إلى القول بأن ” وجود مبالغ مالية بحوزة الأضناء الثلاثة هي شروع في تنفيذ محاولة الحصول على أصوات عدة الناخبين لا لبس فيها على أساس أن تلك المبالغ تعتبر  تبرعات القصد منها التأثير في تصويت هيئة من الناخبين” 
كما قضت محكمة الاستئناف بفاس ” أن جنحة محاولة الحصول على أصوات ناخبين مقابل مبالغ مالية أو الوعد بها تتحقق بمجرد الوعد بمبالغ مالية قصد الحصول على أصوات الناخبين، ولا مجال لإعمال الفصل 114 المتعلق بالمحاولة، لأن الأمر هنا لا يتعلق بمفهوم المحاولة الكلاسيكي من بدء في التّنفيذ، وانعدام العدول الإرادي ، وإنما بجنحة منصوص عيها في المادتين 100،102 من مدونة الانتخابات، والتي تتحقق وتكتمل أركانها بمجرد الوعد بمبالغ مالية”.



ليست هناك تعليقات