إعلان علوي

الموقف العربي من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية


الموقف العربي من النظام الأساسي للمحكمة
لقد أحدث النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أثناء إعداده أو إقراره وحتى بعد دخوله حيز النفاذ خلافات ومناقشات قال في شأنها أكبر فقهاء القانون الدولي الأستاذ الدكتور محمد عزيز شكري " بأن اتفاقية روما وما استحدثته من مفاهيم قانونية وقضائية وكذلك الخلافات في وجهات النظر يمكن أن تقرر بأن هناك خريجين لاتفاقية روما المنشئة للمحكمة ".
إلا أن هذه الخلافات والاختلافات قد تقلصت بعد المؤتمر وخرج النظام للموجود على درجة كبيرة من الوضوح، وهذا لم يمنع من بعض الاعتراضات التي كانت سببا في عدم تصديق العديد من الدول على النظام الأساسي وهذا ما سوف نتطرق غليه.
الفرع الأول: أسباب اعتراض البعض على النظام الأساسي للمحكمة
لقد تعددت الأسباب منها ما تعلق بالموائمات الدستورية المترتبة على التصديق، حيث أنه بعد استكمال النصاب المقرر للتصديق وهو60 تصديقا تدخل الاتفاقية حيز النفاذ وعلى الدول التي ترغب في الانضمام أن تصادق عليها أيضا ويلزم عند التصديق أن يكون هناك توافق بين أحكام المعاهدة وبين دساتير الدول المصادقة عليها وكذلك النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وجب أن يكون متماشيا مع دساتير الدول لذلك على الدول التي تكون تشريعاتها مخالفة للنظام وترغب في الانضمام أن تحدث تعديلات دستورية، وهنا تكمن الصعوبة في التعديلات خاصة فيما يتعلق بالحصانة الممنوحة للمسئولين والتي لم يقرها نظام روما. وهي أهم الأسباب التي أدت إلى اعتراض بعض الدول على النظام الأساسي.
ومنها من اعترض بشأن تعريف الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة إذ لم تكن هناك إشكالية بالنسبة لجريمة الإبادة لأن الدول استقرت على التعريف الوارد في اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948, لكن الاختلاف كان على الجرائم ضد الإنسانية لأنها جرائم مستقاة من المواثيق الدولية لحقوق الإنسان مثل الإعلان العالمي والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ومنها من اعترض على عدم تعريف جريمة العدوان رغم كونها إحدى الجرائم الدولية التي تختص بنظرها المحكمة لذلك سعت الدول العربية لإدراجها ضمن ذاك النظام ويبقى تعريفها إلى وقت لاحق.
ومن أبرز المواد التي شكلت جدلا واسعا بين الدول وكانت محل اعتراض هي المادة 16 من النظام التي تعلقت بإرجاء التحقيق والمقاضاة إلا بناءا على طلب من مجلس الأمن وهذا ما يثير مخاوف العديد من الدول بسبب الصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمن حيث يمكنه وقف إجراءات التحقيق والمقاضاة حسب ما يقرره النظام الأساسي.
كل هذه التحفظات التي تضعها الدول العربية قد تم دحضها وتوضيح موقف النظام الأساسي منها حيث لو أن هذه الدول العربية قد صادقت على النظام وكانت من 60 الأوائل لحظيت بالعديد من المزايا، وأولها أن تصبح من جمعية الدول الأطراف ويكون لها الحق في انتخاب القضاة والمدعي العام والمسجل بالإضافة إلى مراجعة المصادقة على ميزانية المحكمة وتوفير الدعم لها ووضع قواعد الإجراءات.
الفرع الثاني: تصديق المملكة الأردنية الهاشمية على النظام الأساسي
في تاريخ 17-07-1998 تم التصويت على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وأصبح نافذا في 01-07-2002 بعد أن صادقت عليه 60 دولة وكانت الأردن من أوائل الدول الموقعة على النظام الأساسي بتاريخ 07-10-1998 ومن ثم معرفة مدى مطابقته للتشريعات الأردنية، وهذا تمهيدا للمصادقة، حيث صادقت عليه في 04-04-2002 ومن ذلك أصبح واجب النفاذ في المملكة وقد استندت إلى مجموعة من المبررات لتصديقها على النظام.
1-أن المملكة الأردنية من أوائل الدول المصادقة على اتفاقيات جنيف الأربعة 1949.
2-أن المملكة الأردنية من أوائل الدول المهتمة بحقوق الإنسان وقضايا القانون الدولي الإنساني.
3-مشاركة القوات المسلحة الأردنية في إطار قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة وهذا ما شكل دافعا للمصادقة على النظام الأساسي.
4-اختصاص المحكمة الجنائية الدولية يطال كل الدول وإن لم تكن مصادقة طالما أن مجلس الأمن له حق الإحالة، لذلك من الأولى التصديق على النظام.
5-المصادقة تقدم مجموعة من المزايا والحقوق ومن هذه المزايا حق إجراء التعديل على بنوده ومصادقة المملكة الأردنية على النظام كان لها آثارها على التشريعات الوطنية حيث أدى انضمامها إلى إجراء مراجعة لكافة القوانين الجزائية سارية المفعول بما يتماشى ويتلاءم مع النظام الأساسي ومن ذلك إجراء تعديلات جوهرية على قانون العقوبات العام على جرائم الإبادة الجماعية ضد الإنسانية منعا لكل التباس.
رغم ذلك فقد تعرضت المملكة الأردنية إلى ضغوطات سياسية مارستها عليها الولايات المتحدة الأمريكية وعلى كل الدول الموقعة والمصادقة على نظام المحكمة الجنائية الدولية والمتمثلة في محاولتها المستمرة لعقد اتفاقيات ثنائية مع الدول بهدف منح حصانة لقواتها وقد حدث ووافقت الأردن على التوقيع في 16-12-2004 وهذا ما يعيدها إلى نقطة الصفر فيما يتعلق بعلاقاتها بالمحكمة وهو ما يؤدي إلى الاعتقاد أن التنازل مرة يؤدي إلى تنازلات أخرى.

ليست هناك تعليقات