إعلان علوي

بحث الرقابة السياسية على دستورية القوانين



مقدمة:
يقتضي مبدأ علو الدستور أن تحترم كل سلطة أنشأها الدستور لاختصاصها، و أن تلتزم بنصوص و مبادئ الدستور و في نفس الوقت فإن هذا العلو يصبح دون قيمة عملية أو قانونية إذا لم يتحقق نوع من الرقابة العليا حتى يشعر الجميع بضرورة تطبيقه ميدانيا من جهة و عدم مخالفة إرادة السلطة المؤسسة المجسدة في لأحكام الوثيقة الدستورية من جهة ثانية.
و لهذا السبب أنشئت فكرة الرقابة الدستورية و اعتبرت من أهم الضمانات القانونية التي تكفل حماية الدستور و تطبيقه و حماية الحقوق و الحريات و عليه يطرح الإشكال التالي
ما المقصود بالرقابة على دستورية القوانين ؟  وما هي أنواعها ؟

المبحث الأول : ماهية الرقابة السياسية على دستورية القوانين
      المطلب الأول: مفهوم الرقابة السياسية

   سميت الرقابة الدستورية هنا بالسياسية عندما تتولى جهة غير قضائية مهمة فحص أو التحقق من مدى مطابقة القوانين لأحكام الدستور و تعني الرقابة السياسية كذلك هيئة ذات طابع سياسي تقوم بمراقبة دستورية القوانين و قد تم اختيار أعضاء هذه الهيئة بالتعيين أو بالانتخاب من جانب السلطة التنفيذية أو من جانب السلطة التشريعية أو من جانبهما معا.

   والرقابة السياسية هي رقابة وقائية تسبق صدور القانون ومن ثم تحول دون صدوره إذا خالف نصا في الدستور فالرقابة تمارس على مشروعات القوانين .
الفرع الأول: تعريفها و نشأتها

   ويرجع نشأة الرقابة السياسية على دستورية القوانين إلى عهد الثورة الفرنسية , عندما أنشأ دستور السنة الثامنة للجمهورية مجلساً خاصاً للقيام بهذه المهمة , واستمرت فرنسا في تطبيق أسلوب الرقابة السياسية حتى يومنا هذا .

الفرع الثاني: العيوب و المحاسن
تعاب على الرقابة السياسية بالخصوص بما يلي:   
1- من الصعب أن يتوفر لهذه الهيئة السياسية الاستقلال التام من الإتجهات السياسية أو النزاعات الحزبية خاصة و أن أعضاء الهيئة السياسية يقع تعيينهم غالبا من قبل السلطتين التنفيذية و التشريعية.
2- أن أعضاء الهيئة الدستورية ذات الطابع السياسي لا تتوفر فيهم غالبا الكفاءة القانونية للقيام بالرقابة على دستورية القوانين و التي هي أساسا عملية قانونية.
3- أن الدفع بعدم دستورية القوانين أمام الهيئات السياسية ينحصر في السلطات العمومية و لا يحق للمواطنين التعرض لدستورية القوانين.
و بالرغم من وجاهة هذه الحجج فإن الرقابة   السياسية على دستورية القوانين قد حققت تقدما ملموسا في فرنسا  فهي تتميز بأمرين :
1- أنها رقابة سابقة على صدور القانون تهدف إلى التحقق من مدى دستوريته ، وليست رقابة لاحقة على صدور القانون كما هو الحال عليه في الرقابة القضائية ، وبالتالي فان هذه الرقابة تهدف إلى الحيلولة دون صدور القانون المخالف للدستور
2-  وتتميز الرقابة السياسية بأنه تستمد أساسها من مبدأ الفصل بين السلطات ، باعتبار أن هذا المبدأ يقوم على أنه لا يجوز للسلطة القضائية التدخل في أعمال السلطة التشريعية ، وبهذه الرقابة يتمكن البرلمان من تفادي سيطرة القضاء وتدخله وبالتالي فان هذه الرقابة تتفادى الصدام بين السلطات 

المبحث الثاني : أنواع الرقابة السياسية
الفرع الأول : الرقابة عن طريق المجلس الدستوري
ظهرت في فرنسا ويقصد بها إنشاء هيئة خاصة لغرض التحقق من مطابقة القانون للدستور قبل صدوره ويعود الفضل في ظهور هذه الفكرة عن الرقابة إلى الفقيه الفرنسي " Sieyes " والغرض من هذه الهيئة حماية الدستور من الاعتداء على أحكامه من قبل السلطة ويعود تفضيل " Sieyes " للرقابة السياسية على الرقابة القضائية لأسباب تاريخية منها أعمال العرقلة في تنفيذ القوانين في فرنسا والتي كانت تقوم بها المحاكم المسماة بالبرلمانات حيث كانت تلغي القوانين وهو ما جعل رجال الثورة يقيدون سلطات المحاكم ومنعها من التدخل في اختصاصات السلطة التشريعية أما بالنسبة للأسباب القانونية فترجع إلى مبدأ الفصل بين السلطات فقد أعتبر تصدي القضاء للرقابة دستورية القوانين تدخلا في اختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية ومن الناحية السياسية استند في تبرير عدم الرقابة إلى أن القانون هو تعبير عن إرادة الأمة وهذه الإرادة أسمى من القضاء وعليه فلا يجوز له التعرض لمدي دستورية أو عدم دستورية قانون يعبر عن إرادة أمة.
ورغم هذا ففكرة " Sieyes " وجدت مساندة وتأييدا لها فيما بعد، بل ولقيت نجاحا في الأخير حيث نص دستور سنة الثامنة للثورة  على إسناد مهمة الرقابة إلى مجلس الشيوخ حامي الدستور على أن تكون سابقة لصدور القوانين وسمح له بإلغاء القوانين المخالفة ومع ذلك فإن هذا المجلس تحول إلى أداة في يد نابليون يسيرها كيف يشاء ومن بين أسباب عجز هذه الهيئة النص في الدستور على أنها لا تراقب إلا القوانين التي تحال عليها من هيئة التربيونات ولا يعقل أن تقدم هذه الهيئة القوانين التي لا تتماشى وسياستها للمجلس وفيما بعد أسندت الرقابة إلى هيئة سياسية تسمى المجلس الدستوري الذي يتألف من أعضاء كانوا رؤساء الجمهورية منهم من هو على قيد الحياة وتسعة آخرين يعين رئيس الجمهورية ثلاثة ويعين رئيس الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ كل منهما ثلاثة أعضاء أما رئيس الجمهورية فنختار رئيس المجلس من بين الأعضاء التسعة ومدة العضوية تسعة سنوات غير قابلة للتجديد على أن يجدد الثلث كل ثلاث سنوات كما لا يجوز لهؤلاء الأعضاء الجمع بين العضوية في المجلس وفي البرلمان أو الوزارة أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.
الفرع الثاني : الرقابة عن طريق هيئة نيابية

انتشر هذا النوع في الدول ذات الأنظمة الاشتراكية والغرض منه هو أن لا تعلو كلمة أية جهة على الهيئات المنتخبة الشعبية التي تمثل الشعب في ظل نظام الحزب الواحد كما أن غرضها لا يهدف إلى حماية الحقوق بل يهدف إلى سيادة المجالس الشعبية المنتخبة و سموها على غيرها من الهيئات الأخرى مثل مجلس الوزراء في الاتحاد السوفيتي
 و من بين الأنظمة التي أخذت بهذا النوع من الرقابة الاتحاد السوفيتي سابقا حيث أسندت المهمة إلى هيئة رئاسة السوفيت الأعلى فقد جاء في المادة 121 الفقرة الرابعة ما يلي: (تسند إلى هيئة رئاسة السوفيت الأعلى مطابقة دساتير و قوانين الجمهوريات المتحدة لدستور و قوانين الاتحاد السوفيتي) و تنص الفقرة الخامسة على أن هذه الهيئة تقوم بتفسير قوانين الاتحاد السوفيتي كما تلغي قرارات و أوامر مجلس وزراء الجمهوريات المتحدة إذا كانت غير مطابقة للقانون.


المبحث الثاني:ماهية الرقابة القضائية على دستورية القوانين

المطلب الأول:مفهوم الرقابة القضائية

الفرع الأول:تعريفها و نشأتها

و المقصود بها هو إعطاء الحق للقضاء لأن يتولى عملية فحص دستورية القوانين لكي يتحقق من مطابقتها أو مخالفتها لقواعد الدستور.

و تسمى بهذه التسمية لأنها تباشر من قبل هيئة قضائية فالمحاكم تتولى ممارسة الرقابة على دستورية القوانين و قد تمارس هذه الرقابة المحاكم العادية كولايات المتحدة الأمريكية و كندا أو محكمة خاصة يتم إحداثها لهذا الغرض و يطلق عليها عادة المحكمة الدستورية كألمانيا و مصر وايطاليا، و الرقابة القضائية عن طريق المحاكم العادية أقدم أنواع الرقابة.

الفرع الثاني:العيوب و المحاسن

أ-المحاسن:

1- أنها تضمن معالجة دستورية القوانين بروح قانونية خالصة إذ يبحث القاضي بحكم طبيعة وظيفته مدى مطابقة القانون للدستور.

2-الرقابة القضائية تخضع لإجراءات قضائية التي تمتاز بكثير من الضمانات مثل الحياد و المواجهة بين الخصوم و تعديل الأحكام.

3-الرقابة القضائية تتميز بنزاهة القضاة و استقلالهم الأمر الذي يمكنهم من أداء مهمتهم على أحسن وجه.

ب-المساوئ :

1-تعتبر تدخلا من السلطة القضائية في أعمال السلطة التشريعية و بالتالي فإنها تشكل خرقا لمبدأ الفصل بين السلطات.

2-تخرج من إطار وظيفته القاضي التي هي تطبيق القانون و ليس تقييمه أو الحكم عليه وبالتالي فإن الرقابة القضائية تجعل من القاضي سلطة سياسية.

3-تعتبر اعتداء على البرلمان الذي يعبر على إرادة الأمة و مساس بمبدأ سيادة الأمة.

و مهما يكن فإن التجربة أثبت أن الرقابة القضائية أنجع من الرقابة السياسية سواء أكانت في شكل رقابة إلغاء أو رقابة امتناع.

المطلب الثاني:أنواع الرقابة القضائية

الفرع الأول:الرقابة القضائية على دستورية القوانين عن طريق الدعوى الأصلية (إلغاء)

تعني هذه الرقابة السماح لصاحب المصلحة ليبادر برفع الدعوى أمام المحكمة المختصة للمطالبة بإلغاء لقانون مخالف للدستور و لا ينتظر حتى يطبق القانون عليه ليدفع بعدم دستورية كما هو متبع في الدفع الفرعي.

و نظرا لخطورة هذه الرقابة الهجومية فإنه لا يجوز للأفراد إليها إلا إذا وجد نص صريح يقر ذلك ،كما لا يجوز للقضاء إلغاء أي قانون لعدم دستوريته إلا إذا نص الدستور على ذلك صراحة.ولهذا فإن معظم الدساتير التي أخذت بهذه الرقابة تعهد بها إلى محكمة واحدة تقوم بمهمة الرقابة على دستورية القوانين وحدها   أو تسندها للمحكمة العليا و ذلك لتجنب تضارب الأحكام كما أنه يشترط في صدور الحكم بالإلغاء أو الرفض نهائيا غير قابل للطعن.

الفرع الثاني:رقابة قضائية عن طريق الدفع (الامتناع)

نعني بهذه الصورة وجود نزاع مطروح على القضاء ثم يدفع أحد الخصوم بعدم دستورية القانون الواجب التطبيق على هذا النزاع و في هذه الحالة يتعين على القاضي أن يفحص هذه الدعوى فإذا ما تحقق من مخالفة القانون للدستور إمتنع عن تطبيق القانون عكس ما هو الحال في رقابة الإلغاء و إذا كان القانون دستوريا رفض الدعوى و يصدر حكمه وفقا للقانون الساري المفعول.
الفرع الثالث :الرقابة عن طريق الحكم التقريري
شخص يلجأ الى المحكمة يلتمس منها اصدار حكم يقضي بدستورية قانون معين مراد تنفيذه
يتوقف تنفيذ القانون على هذا الشخص الى غاية حكم المحكمة إذا غير الدستوري ، امتنع الموظف المكلف عن تطبيقه هذا الاسلوب قليل الاستعمال ظهر في الولايات المتحدة الامريكية
الخاتمة:
الرقابة بمختلف أنواعها (السياسية و القضائية وما يتفرع عنهما) وجدت لهدف أساسي هو منع صدور قوانين تكون مخالفة للدستور و بذلك فهي تمنع تجاوز الدستور فتحفط بذالك سموه وعلوه

  خاتمة
إن اعتبار الرقابة على دستورية القوانين كضمان قانوني يكفل احترام الدستور في المجتمع من طرف سلطات الدولة،أمر لا يزيل الشكوك،بل التخوف من احتمال الاعتداء على القواعد الدستورية من طرف سلطات الدولة ذاتها و ذلك لسبب بسيط أن هذه الضمانة تقع داخل النظام القانوني للدولة المحددة من قبلها.
و على هذا الأساس فالرقابة على دستورية القوانين في مفهومها الوضعي لا تشكل حدا على إمكانية خروج سلطات الدولة على الدستور الذي يعكس القيم الأساسية و الأهداف العليا و هو أمر يصعب تصوره في ظل دولة يعود إليها إنشاء و تقويم نظامها القانوني.

هناك 5 تعليقات: